داود اصغر ولد ابيه - خلَّفه ابوه على الأغنام ليرعاها لم يكن حتى في عداد الجند - ومقلاع كان يرمي به الاحجار ، لم يكن بحساب احد من الناس أن يكون حسم المعركة بهما.
العدد الذي لم يُحسب (داود)، والعدة التي لم تُعتبر (الاحجار) عند الناس، كانت عند الله هي كل العدد وكل العدة .
الحجر الذي رفضه البناءون أصبح حجر الزاوية . تلك هي حسابات الناس، وهذا هو حساب الله سبحانه وتعالى .
فالناس يرون المادة والأجسام والله ينظر الى الارواح والإخلاص،
نظر سبحانه الى اخلاص هذا الفتى الكريم داود (ع) فعقد بناصيته النصر.
وكم هو درس بليغ لأولئك الذين كانوا مع طالوت (ع) وهم الذين جعلوا للأسباب المادية وزنا كبيرا فعندما { قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (البقرة:247)
وعندما رأوا عدد وعدة جيش جالوت { قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ } (البقرة:249)
في هذا الدرس البليغ بيَّن الله سبحانه وتعالى بالفعل وفي ساحة المواجهة ان الاسباب المادية لا قيمة لها امام الإخلاص له سبحانه فقد واجه سبحانه وتعالى جيش جالوت الجرار والمجهز بأحدث وأفتك الأسلحة في حينها باخلاص داود (ع).
وكم نحن اليوم بحاجة لهذا الدرس البليغ لنتعلم معنى الاخلاص والتوكل على الله سبحانه دون ان تثنينا المعادلات القائمة على الأرض عن مواجهة الشيطان وجنده.
1. سبب نجاته؛ لأن فيه وجد إخوة يوسف طريقة لمكرهم دون قتله ، {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}. 2. الدليل على براءة يوسف من تهمة الفاحشة. {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}. {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ}. {فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}. 3. إنه آية عاد بها البصر ليعقوب، وما تلا هذا من انتقال بني إسرائيل إلى مصر لتمهيد الأرضية الملائمة لقائم آل إبراهيم موسى . {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}. 4. وأخيراً فالقميص أصبح سبباً لإنصاف يعقوب من تهكم بنيه، فكم {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}، و{قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ}، لكن {لَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}، عندها {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}. كل هذا في قميص يوسف . فما سرّ هذا القميص حتى أصبح موضعاً لتجلي الفيض الإلهي وآيات الله سبحانه وتعالى؟ الحق، إنه قميص لامس ذاك القلب النقي الطاهر الملائكي الملكوتي، قلب يوسف الذي تلقى كلمات الله بالرؤيا الصادقة، وكان يوسف صبياً صغيراً، وآمن هذا القلب الطاهر بكلمات الله ولم يكفرها. إنّ كرامة هذا القميص هي أنه لامس قلب يوسف ليس إلا، هذا هو سر القميص، ففي كل تلك الآيات كان هذا القميص شاهداً عدلاً يشهد بنقاء قلب يوسف وطهارته، هذا القميص تكلم ولكن بالأفعال لا بالأقوال، وما أحوج الناس ليتعلموا من قميص يوسف الصدق والأمانة وقول الحق وإعطاء كل ذي حق حقه، ويتعلموا ترك الحسد والأنا والأخلاق الذميمة. والآن، لنضع قميص يوسف هذا الجماد في مقابل أناس التصقوا بيوسف وعرفوا يوسف كما التصق وعرف القميص يوسف ، ولنرى كم أن الناس كانوا ظالمين ليوسف ، وكم أن القميص كان منصفاً عادلاً مع يوسف ، وكم خذل الناس يوسف ، وكم أعان وأغاث القميص يوسف ، وكل مرة كان الناس والقميص يتبدلون، ولكن دائماً كان القميص ينصف ويعين يوسف ، وكان الناس يظلمون ويخذلون يوسف . لم يكن للقميص قصة كما كانت مع يوسف ، فجدير بنا أن نعرف ماذا أراد الله أن يخاطب الإنسان من خلال هذا القميص، ونتعلم من هذا الخطاب الإلهي الذي تجلى في قميص يوسف في كل مرة وكل موقف. ثم لماذا القميص بالذات، وليس لباساً آخر لامس جسد يوسف ؟! الحقيقة، لأن القميص كان إشارة واضحة لقلب يوسف ، فكان الذي ينجي يوسف هو نقاء قلبه وإخلاصه لله سبحانه وتعالى، فكان الله في قلب يوسف ، وكلم الناس بقميص يوسف . كان تعالى في كل تلك الآيات يقول أنا في قلب يوسف ، والقميص مسني كما مس يوسف . كان تعالى يقول من خلال قميص يوسف : (يا ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك عند غضبي فلا أمحقك فيمن أمحق، وإذا ظُلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك فإن انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك) . فإن وقعت في بئر عميق أنا أنجيك، وإن مكر بك أهل السوء والفحشاء فأنا ناصرك، وإن أردت إحياء الموتى وشفاء المرضى فأنا المشافي المحيي أعطي نفسي لمن يذكرني. فأنا في قلب من ذكرني يمسني قميصه كما يمس قلبه. وبعد سنين من قصة القميص المعجزة، قميص الآيات الإلهية، تأتي آية أخرى: يد موسى البيضاء للناظرين، وهي لا تخرج بيضاء إلا بعد أن تمس قلب موسى ، {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى}. وكأنها تُخرج ما في قلب موسى ، لينظر إليه الناس بياضاً ناصعاً وطهارة ونقاءً وعدلاً ونوراً يملأ الخافقين. وهي أيضاً تمس الذي في قلب موسى الله سبحانه وتعالى، لتخبر عنه سبحانه وتعالى أنه هو الذي في قلب موسى، وهو الذي أرسل موسى . كما كان القميص من قبل يخبر الناس أن الله في قلب يوسف ، وأنه هو سبحانه وتعالى الذي أرسل يوسف ونصبه خليفته في أرضه. هذا القميص الآية المعجزة، كم من آية من آيات الله هي كهذا القميص، يمر عليها الناس غافلين معرضين عنها، فلو كانوا يطلبون الحق لعرفوه ولتجلى لهم في الشجر والحجر وفي كل شيء يقع عليه بصرهم أو يطرق آذانهم، ولرأوا الحق في قميص يوسف ، ويد موسى في ذلك الزمان وفي هذا الزمان، لكنهم معرضون عن الحق {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}. هذه إضاءة من قصة قميص يوسف، فليتدبرها الناس وليتعلموا من قميص يوسف ، وإن لم يقبلوا السماع من يوسف فليسمعوا من قميص يوسف وقلب يوسف والذي في قلب يوسف {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. إنها حسرة {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}، وإنه لأمر محزن أن ينصف ويعين يوسف في ذلك الزمان وهذا الزمان كل شيء حتى القميص إلا الناس. وأخيراً أقول: إذا وصل الأمر إلى أن يتكلم الجماد (قميص يوسف)، ثم إنّ الناس لا يسمعون ولا يعون ولا يتدبرون آيات الله، بل هم معرضون مستهزؤون فإنّ الله ينذرهم بأسه الذي لا يُرد. بعد أن تكلم قميص يوسف في آخر قصة يوسف التي خُتمت بكلام القميص عندما رَد البصر ليعقوب، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}، فهل من عاقل ينجي نفسه من العذاب في الدنيا والآخرة، فيسمع ويرى - بعد أن كان أصماً وأعمى - آيات الله في كل شيء وهي تشير إلى الحق وإلى صاحب الحق. {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.